4/01/2013

النسبة الذهبية


مُقدِّمة

النِّسبة الذَّهبية
إقليدس، عالم رياضي إغريقي شهير، ولد 300 قبل الميلاد. هذا العالم اكتشف نسبة عجيبة تتجلَّى في أشياءٍ كثيرةٍ فينا ومن حولنا، أُطلقَ على هذه النِّسبة (النِّسبةُ الذَّهبية). هذه النِّسبةُ مُدهشة ومُحيَّرة بشكلٍ لافت. فلا أحد يعلمُ سرّ جاذبيتها. بالرَّغمِ من أنَّها نسبةٌ بين طولين!

الرَّقمُ الذَّهبي

فكرتُها بسيطة: تخيَّل أنَّ لديك خطًّا مقسومًا إلى قسمين، قسم أطول، وقسم أقصر، سنسمِّي القسم الأطول (A)، والقسم الأقصر (B). إذًا الخط هو عبارة عن (A+B). فإنَّ حاصل قسمة A/B= A+B/A
الرَّقم الذَّهبي
وبنفسِ الفكرة نفرضُ أنَّ النقطةَ C تقسمُ القطعة AB بهذه النسبة: clip_image004
الرَّقم الذَّهبي
بعبارةٍ أخرى:
إذا كان لديك خطًّا أو مُسطَّحًا طوله (100%) إقسمهُ إلى جزئين الأكبر (62%) والأصغر (38%) (هي نفس أن يكون الجزء الأصغر ١ والجزء الأكبر ١،٦٢) وهي تقريبًا نسبة ٣ إلى ٥ تقريبًا.
الرَّقم الذَّهبي

وبشكلٍ عملي:
لديك خطًّا طوله (8m)، عندما نقسمه إلى جزئين سيكون الجزء الأكبر (5m) والأصغر (3m). حاصل قسمة الكبير على الصَّغير 5/3=1.666
وتحديدًا هو الرَّقمُ (1.6180339887)
الرَّقم الذَّهبي

تُسمَّى هذه النِّسبة، فاي (PHI) نسبةً إلى (فيدياس). ورمزها:
فاي
إذًا الرَّقمُ الذَّهبي هو عددٌ حسابي تكرَّر كثيرًا في حساباتِ الرِّياضيين القُدماء. وهو رقمٌ عجيب، يُسمَّى “العددُ الذَّهبي” أو “النِّسبةُ الذَّهبية” أو “النِّسبةُ المُقدَّسة” أو “المقطع الذَّهبي” أو “العددُ الإلهي” لأنَّهُ يدخلُ في العديدِ من الأشكالِ الموجودةِ في الطَّبيعة.

المُستطيلُ الذَّهبي

هو عبارة عن مستطيل مكوَّن من مُربعٍ ومستطيل آخر صغير. حاصل قسمة الضِّلع الكبير للمستطيل الصَّغير EF على ضعلهِ الآخر FA، يُساوي حاصل قسمة الضِّلع الكبير للمستطيل الكبير EC على ضعلهِ الآخر EF. فإذا حصلت على ناتجٍ يساوي أو قريبٍ من القيمةِ (1.618) يكون عندها لديك مُستطيلًا ذهبيًّا.
المستطيل الذَّهبي
إذًا هي نسبةٌ بين طولٍ وعرض.
clip_image013

المُثلثُ الذَّهبي

هو مُثلَّثٌ مُتساوي السَّاقين، زاويةُ رأسه تُساوي 36°، وزوايا قاعدته يُساويان 72°.
المثلث الذَّهبي
فهذه النِّسبةُ تُعتبرُ اكتشافًا وسرًّا رياضيُّا خطيرًا، لأنَّهُ عن طريقِ هذه النِّسبة البسيطة تُخلَقُ الأشياء الجميلة. تشدُّ الأبصار فتسرُّ النَّاظرين. فهي تجعلُ من الرَّسمة أخَّاذة
العشاء الأخير
والصُّورةُ جذَّابة
صورة
والمبنى فاتن
البارثنون
لذا فهذهِ النِّسبةُ أثيرةٌ ومحبوبةٌ جدًّا ومهمَّة لدى الرَّسامين والنَّحاتين والمُصوِّرين ومُصمِّمي الدِّيكور والمُهندسين المعماريين والموسقيين وعُلماء النَّبات وعُلماء التَّشريح وغيرهم. لأنَّها تدخلُ في أمورٍ كثيرةٍ في حياتنا اليومية وفي الطَّبيعية.


ليوناردو دافنشي Leonardo da Vinci

من لا يعرف (ليوناردو دافنشي) هذا الرَّسامُ والنَّحات والمعماري والعالِم. اهتمَّ هذا العالم كثيرًا بعلم التَّشريح. وبسبب أبحاثهِ أدرك أنَّ الجسدَ الإنساني محكومٌ بالنِّسبةِ الذَّهبية. أدرك سرّ جمال واتزانِ الإنسان. فتمَّ افتراض مركز ثقل وهمي في جسم الإنسان، واعتبرهُ حول السُّرة. واكتشفَ هذا المُبدع أنَّ قسمة ما تحتَ السُّرَّة أي من السُّرَّةِ حتَّى القدمين، على أعلاها، أي من السُّرَّةِ حتَّى الرَّأس، اكتشف أنَّ حاصل قسمتهما يُعطينا النِّسبة الذَّهبية أو الرَّقم الذَّهبي. كذلك لو قسمت طول الوجه على عرضه، سيُعطيك النِّسبة الذَّهبية. ومع الوقت، اكتشف العُلماء أنَّ هذه النِّسبةُ تتكرَّرُ بشكلٍ يكاد يكون لا نهائيًا. ولهذا سُميِّت أيضًا (النِّسبةُ المُقدَّسة) أو (النِّسبةُ الإلهية). لوجودها في العديدِ من مخلوقات الله عزَّ وجل.
وقد عبَّر “دافنشي” في كثيرٍ من رسوماتهِ عن النِّسبةِ الذَّهبية. ومن أشهرِ لوحاته التي طبَّقت هذا المبدأ، لوحة الموناليزا.
الموناليزا

رَجُلُ فيتروفيان Vitruvian Man

من أعظم إنجازات دافنشي. هي تطبيق لفكرة معماري روماني يُدعى (فيتروفياس) في العام الأوَّل قبل الميلاد. تدورُ هذه الفكرة حول أنَّ الإنسان هو محور الكون، لذا يُمكننا استخدام نسب الإنسان في البناء. أي الانطلاق من الإنسان لتحديد مقاييس المبنى الرَّئيسية ومقاييس تفاصيله. ووصل إلى نتيجة أنَّ الجسمَ البشري في وضعية الذِّراعين والسَّاقين الممدوتين، يتلاءم مع الوضع الهندسي للدَّائرة والمُربَّع.
بقيت هذه النَّظرية بين الكتب حتَّى جاءَ دافنشي ورسم رجلًا مُتجانس الأعضاء، يُحيطهُ مربعٌ ودائرةٌ مركزها سرَّته. ووجدَ أنَّ أصابعَ اليدين المرفوعتين بحيث يكون إصبعي الوسطى على مستوى الرَّاس، والسَّاقين المفتوحتين، وجد أنَّهما يُلامسان مُحيط دائرة. وعند قياس المسافة من قمَّة الرَّاس إلى أخمصِ القدمين (طول القامة)، سنجد أنَّها تساوي مسافة طول الذَّارعين الممدوتين، لأحصلَ في النِّهاية على شكلِ مرَّبع.
رجل فيتروفيان
كما أنَّهُ توصَّل إلى نتائجَ منها:
· أنَّ المسافةَ بين السَّاقين تُعطينا مثلثًا متساوي الأضلاع.
· المسافةُ من جذورِ الشَّعرِ إلى أسفلِ الذَّقنِ يساوي (1/10) من طولِ الإنسان.
· المسافةُ من الحلماتِ إلى أعلى الرَّأس. وأيضًا أقصى عرض للكتفين. وأيضًا المسافة من أخمصِ القدمين إلى أسفلِ الرُّكبتينِ. وأيضًا من أسفلِ الرُّكبةِ إلى بدايةِ العضو الذَّكري، جميعهم يُساوون (1/4) طول الإنسان.
· بدايةُ العضو الذَّكري يقع في منتصفِ الإنسان.
· وبالنِّسبةِ للوجهِ مثلًا، فإنَّ المسافة من أسفلِ الذَّقنِ إلى الأنف، تُساوي المسافة من جذورِ الشَّعرِ إلى الحاجبين.
وغيرها ممَّا استنتجهُ وتوصَّل إليه من رسمهِ لرجلِ بيتروفيان، وشغفهِ بالجسمِ الإنساني.
إذًا ارتكزت هذه القواعد على قياسِ رأسِ الإنسان وقياسِ وجههِ وأطرافهِ كوحداتٍ أساسية. ومن ثُمَّ جرى تقسيمُ تلك الوحدات والمقارنة فيما بينها لتصبحَ وحدات قياسٍ يوميةٍ وأساسية. كالذِّراع مثلًا، الذي ما زال يُستخدمُ حتَّى يومنا هذا.

مُتتالية فيبوناتشي

ولأنَّ هذه النِّسبةُ هي نسبةٌ بين أطوال. هذا يقودنا للحديثِ عن (مُتتالية فيبوناتشي). التي ظهرتْ قبل دافنشي بحوالي 300عام. وهذه المُتتالية نسبةٌ إلى مُكتشفها (ليوناردو فيبوناتشي) عالم الرِّياضيات الإيطالي. تلك المُتتالية التي اكتشفها لدى دراسته لتوالدِ وتكاثرِ الأرانب. ثُمَّ أصبحت من أشهرِ المُتتابعات إلى يومنا هذا. حيثُ أنَّها تُستخدم كثيرًا في مجالِ سوق العملات الأجنبية (الفوركس).
أرانب فيبوناتشي
هذه المُتتالية سهلة جدًّا، فهي تبدأ برقم (0,1,1,2,3,5,8,13,21,34….)، وفكرتها أنَّ كلَّ قيمةٌ فيها تُساوي حاصل جمعِ العُنصرينِ قبله.
متتالية فيبوناتشي
ومن مزاياها أنَّك لو قسمتَ أيَّ رقمٍ على الرَّقمِ الذي قبلهُ، تقتربُ رويدًا رويدًا من الرَّقمِ الذَّهبي. وكُلَّما صعدتَ مُرتقيًا تكون أقرب إلى النِّسبةِ الذَّهبية بشكلٍ دقيقٍ جدًّا.
متتالية فيبوناتشي
إذًا؛ أينما يتمُّ ذكر (مُتتالية فيبوناتشي) مُباشرةً يجب أن أربطها بالنِّسبةِ الذَّهبية.

قوقعةُ فيبوناتشي

هي قوقعةٌ ذهبية يتمُّ رسمها بالاعتمادِ على المُستطيل الذَّهبي. يُمكن أن نجدها في زهرِ عبَّادِ الشَّمس، وفي الأصداف.
قوقعة فيبوناتشي

لوكوربوزييه Le Corbusier

المودولور (الضَّابط)

في عامِ 1945م، اعتمد المهندس “لوكوربوزييه” على المُستطيل الذَّهبي لكلِّ أعمالهِ الهندسية. وألَّف كتابًا يرتكز على المقطعِ الذَّهبي وعلى مقاييس جسد الإنسان. أطلق عليه تسمية “المودولور” الضَّابط. وهو تقسيم خط أو تجزئته مع الحفاظِ على التَّناسبية بين طوله الكامل وكافة الأجزاء الصَّغيرة التي نحصلُ عليها، والعكسُ صحيح. وهي نفسُ فكرة الخط المُتخيَّل سابقًا. وبتعريفٍ أدق: هو قياس يقوم على الرِّياضيات وعلى المقياس الإنساني، يتألف من متواليات مزدوجة من الأعداد، المتوالية الحمراء والمتوالية الزَّرقاء.

لوحة التَّناسب (القياس)

هي لوحة استخدمها “لوكوربوزييه” كأساسٍ للتَّناسب وكأداةٍ للقياس. افترض فيها رجلًا مرفوع الذِّراع، طوله (2.26m)، وضَعهُ داخل مربَّعين، (1.13*1.13m) مُتراكبين على بعضهما، ثُمَّ وضع مُربَّعًا ثالثًا عند موقع الزَّاوية القائمة في المربعين. وعبَّر عنهُ بالشَّكلِ التَّالي:
لوحة التَّناسبلوحة التَّناسب
وجدَ “لوكوربوزييه” أربعة نقاط في جسدِ الإنسان تؤلِّف تسلسلًا بحسبِ المقطعِ الذَّهبي. وهذا التَّسلسل هو “متتالية فيبوناتشي” السَّابقة الذِّكر. والنُّقاط الأربعة هي: القدم، السُّرَّة، الرَّأس، أطرافُ أصابعِ اليدِ المرفوعة.

المتواليات الحمراء والمتواليات الزَّرقاء

سُمِّيت متواليات فيبوناتشي النَّاشئة عن العلاقة ᵠ على أساسِ الوحدة 113 المتواليات الحمراء، والقائمة على ضعفِ تلك الوحدة 226 المتواليات الزَّرقاء. تمَّ رسمُ رجلٍ بارتفاع 183م، مُثبَّتًا على أربع نقاط: صفر، 113، 183، 226. وتمَّ وضع الشَّريط الأحمر على اليسار، والشَّريط الأزرق على اليمين، ومتواليات الـ ᵠ تتَّجه نحو الصِّفر في الأسفل، والمُتصاعدة نحو اللانهاية في الأعلى.
المتواليتان الحمراء والزَّرقاء
القياس 113 يُعطي الوسط الذَّهبي 70. بحسب المتوالية الحمراء التَّالية:
4, 6, 10, 16, 27, 43, 70, 113, 183, 296,
والقياس 226 (113*2) الوحدة المزدوجة، يُعطي الوسط الذهبي 140، 86. بحسب المتوالية الزَّرقاء:
13، 20، 33، 53، 86، 140، 226، 366، 592… إلخ.
المتواليتان الحمراء والزَّرقاء

ستيفن ماركوت وقناعُ الجمل

الدَّكتور ستيفن ماركوت، طبيبٌ وجرَّاحٌ ولهُ أبحاثٌ ودراسات في فلسفةِ وعلم الجمال. لأنَّهُ مفتونٌ بالجمالِ وباحثٌ عن أسرارهِ، يقولُ بعد 25 عامًا من أبحاثهِ ودراساتهِ المُستفيضة في علم الجمال، أنَّهُ استطاع اكتشاف ومعرفة سرّ الجمال الذي يُمكن أن يُصاغَ بعبارةٍ رياضيةٍ تكمُنُ في النِّسبةِ الذَّهبية. أثبتَ هذا العالمُ، أنَّ تلك النِّسبة موجودة في جميعِ أجزاءِ جسم الإنسان. في الوجهِ والأطراف. ومن أجلِ ذلك، صنعَ قناعًا سمَّاهُ (قناع الجمال) وطَبَّق مقاييسه على مشاهيرِ العالم نساءً ورجالًا. ووجدَ وجوهًا كثيرة تطابقت مقاييسها مع قناعِ الجمال. وبالطَّبع هناك اختلافاتٍ لا نهائية لأشكالِ الحاجبينِ والعينينِ والأنفِ والشَّفتينِ والفك… إلخ. ليتنوَّع الجمال.
قناع الجمال

النِّسبة الذَّهبية لا تُعلِّمك التَّصميم، وخطوطها التَّنظيمية يجري اختيارها  على شكلٍ مُعيَّن استنادًا إلى متطلباتِ التَّكوين ذاته. والخطوط لا تقوم بأكثر من تحقيق النِّظام والبقاء على مستوى التَّوازن الهندسي. إن خطوطها لا توحي بفكرة العمل، ولا تأتيك بأفكارٍ خيالية، هي فقط تُحقِّق التَّوازن والجمال من خلالِ التَّناسب القياسي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق